صفقة تبادل الأسرى- بين مناورات نتنياهو ومطالب حماس المتصاعدة

المؤلف: حلمي مُوسى09.13.2025
صفقة تبادل الأسرى- بين مناورات نتنياهو ومطالب حماس المتصاعدة

منذ أن أُعلن عن التوصل لاتفاق المراحل الثلاث لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو اتفاق ظهر في الأفق مع نهاية ولاية إدارة بايدن وبتحفيز من الرئيس المنتخب آنذاك، دونالد ترامب، بدا واضحًا بجلاء أن حكومة نتنياهو لا تعتزم تنفيذ بنود هذا الاتفاق بشكل كامل وشامل، بل "بشكل انتقائي" ومجزأ!

نتنياهو، الذي كان قد اقترح هذا المقترح ذاته على بايدن قبل الإعلان الرسمي عن الاتفاق، سرعان ما نكص على عقبيه وتراجع عن مقترحه ما إن أدرك أن تنفيذه الكامل قد يؤدي إلى تفكك وانهيار ائتلافه الحكومي المهتز. ولم يطرأ أي تغيير على موقفه هذا منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة. فتنفيذ الاتفاق، بصيغته المتفق عليها أصلًا، يلقى رفضًا قاطعًا ليس فقط من وزراء حزب "عوتسما يهوديت"، الذين هددوا بالانسحاب بسبب القبول بتطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق، ولا من وزراء حزب "الصهيونية الدينية"، الذين علقوا بقاءهم في الحكومة على رفض البدء بتنفيذ المرحلة الثانية، بل أيضًا من قبل العديد من وزراء حزب الليكود نفسه. ومن المعلوم للجميع أن نتنياهو قد وافق على صفقة المراحل هذه كنوع من الإكراه والاضطرار، وبنية مبيتة لنسف هذا الاتفاق في أول سانحة تلوح في الأفق.

كان نتنياهو يعي تمام الوعي أنه، وعلى الرغم من وجود هامش للمناورة لديه مع إدارة بايدن المعتدلة، فإنه لا يمتلك أي هامش من هذا القبيل مع إدارة ترامب التي يزداد تصلبها، والتي يتعامل معها وكأنها نوع من الكوارث الطبيعية التي يُستحسن تجنب الاصطدام بها قدر الإمكان.

في بداية الأمر، انطلقت إدارة ترامب من قناعة مفادها أن اتفاق المراحل يمثل حلًا جيدًا لإنهاء هذه الأزمة المستفحلة، إلا أنها، ومع مرور الوقت، بدأت تتقارب بشكل ملحوظ من الموقف الإسرائيلي المتشدد. وتشهد على ذلك الإنذارات والتهديدات المتكررة التي وجهها ترامب لحركة حماس، ليس فقط فيما يتعلق بقضية الأسرى، بل أيضًا بشأن وجودها ودورها في المنطقة.

ومن نافلة القول أنه عندما لاحظ اليمين الإسرائيلي المتطرف أن ترامب يتجاوز حتى نتنياهو من جهة اليمين ويشجعه على اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، خاصة بعدما طرح خطة تهجير سكان غزة، ازداد وضع نتنياهو ضعفًا وتزعزعًا. صحيح أن نتنياهو قد شعر بالارتياح في فترة ما لحقيقة أنه أصبح أقرب إلى نقطة الوسط بين أغلبية شعبية ومؤسسة أمنية وعسكرية تطالب بتنفيذ اتفاق المراحل، وبين أغلبية يمينية تضغط عليه بشدة لرفض هذا الاتفاق رفضًا باتًا. فقد بدا، مع انتهاء المرحلة الأولى، أن نتنياهو قد عاد إلى موقعه المفضل كزعيم أيديولوجي لليمين المتطرف.

وقد جاء ذلك القرار الإسرائيلي، الذي اتخذ بعد جلسة أمنية حاسمة ترأسها نتنياهو، وبمشاركة وزير الحرب وكبار المسؤولين الأمنيين وفريق التفاوض، حيث تم اعتماد الخطوط العريضة التي اقترحها مبعوث الرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، لوقف مؤقت لإطلاق النار خلال شهر رمضان وعيد الفِصح.

وينص هذا المقترح على إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين، سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا، في اليوم الأول من الاتفاق، مع النص في النهاية على إطلاق سراح الأسرى المتبقين، أحياءً وأمواتًا، شريطة التوصل إلى اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار.

وليس من قبيل الصدفة أن مبعوث ترامب الخاص، ستيف ويتكوف، وبعد تصريحاته القوية والمتكررة بشأن ضرورة تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، حتى مع اعترافه بأنها أصعب بكثير من المرحلة الأولى، عاد فجأة ليعرض مقترح نتنياهو البديل.

وهكذا تجسدت المحاولة الإسرائيلية الفاشلة لمواصلة تبادل الأسرى وفقًا لمفاتيح التبادل التي تم الاتفاق عليها مسبقًا لـ "المرحلة الإنسانية". وربما بهدف تشجيع حركة حماس على القبول بهذه اللعبة، تم الترويج لفكرة الاستعداد لمنح عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين مقابل كل أسير إسرائيلي حي.

وتلبي خطة ويتكوف الجديدة مطالب إسرائيل بشكل كامل لا لبس فيه، حيث تسمح بالإفراج عن الأسرى على دفعتين منفصلتين، وتؤجل الحاجة إلى إعلان إسرائيل عن وقف إطلاق نار دائم بضمانة أميركية صريحة.

ويمنح هذا المقترح نتنياهو فرصة سياسية ذهبية، إذ تؤجل الخطة المواجهة الحتمية مع بتسلئيل سموتريتش في الائتلاف الحكومي، وتسمح بالموافقة على ميزانية الحكومة لهذا الشهر (إذ أن عدم الموافقة على الميزانية هذا الشهر، وفقًا للقانون المعمول به، سيؤدي إلى سقوط الحكومة الحالية والإعلان عن انتخابات مبكرة).

لكن القضية بالنسبة لحركة حماس لا تقتصر فقط على تبادل الأسرى، بل تتضمن ضلعين آخرين في مثلث صفقة التبادل، وهما إنهاء الحرب بشكل كامل وإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية. وإسرائيل لا ترغب إطلاقًا في الدخول في أي نقاش جاد لإنهاء الحرب أو إعادة الإعمار من دون أن تحقق "أهداف الحرب" المعلنة.

وبعبارة أخرى أكثر وضوحًا، فإن إسرائيل تسعى جاهدة لتحقيق ما فشلت في تحقيقه من خلال الحرب العسكرية عن طريق المفاوضات السياسية: تدمير حركة حماس بشكل كامل، وإنهاء سلطتها في قطاع غزة، ونزع سلاح القطاع الفلسطيني المحاصر، ومنعه من أن يشكل أي خطر عليها في المستقبل المنظور. ولهذا السبب تحديدًا، رفضت إسرائيل أيضًا المقترحات العربية لإعادة إعمار غزة، والصيغة المصرية المقترحة لإدارة شؤون الحكم في غزة.

وما إن رفضت حركة حماس الاقتراح الأميركي الذي عرضه ويتكوف عن بعد، حتى بدا لنتنياهو أن فرصته الذهبية للانقلاب على اتفاق المراحل الثلاث رسميًا قد سنحت له. وهكذا، وبدلًا من عرض اقتراحات جديدة وبناءة، استغل التأييد الأميركي المتزايد له، وأعلن عن إغلاق جميع المعابر التي تنقل عبرها المساعدات الإنسانية الضرورية ووقف إمدادات الوقود والغاز. ولم يكتفِ بذلك، بل أعلن أيضًا عن قرار حكومي بتجنيد قوات احتياطية قد يصل عددها إلى 400 ألف جندي.

وهكذا، فإن إسرائيل، وبدعم أميركي كامل، "تنسف" بشكل أحادي الجانب اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى عبر رفضها تنفيذ خطوتين مركزيتين وحيويتين: إخلاء محور فيلادلفيا الحدودي، والبدء الفوري بمفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق.

وهنا بدأت لعبة بوكر محفوفة بالمخاطر بكل الوسائل التهديدية والاحتيالية الممكنة. فحركة حماس، التي كانت قد أعلنت في وقت سابق عن رغبتها الأكيدة في التفاوض دفعة واحدة لإنهاء الحرب وتبادل جميع الأسرى وإعادة الإعمار، اضطرت للرد على اقتراحات مفاتيح التبادل بالمطالبة بما بين 500 إلى 1000 أسير فلسطيني مقابل كل أسير إسرائيلي، وفقًا لمكانته ورتبته العسكرية. وأدرك كل ذي عقل وبصيرة أن الطرفين يتجهان حتمًا نحو مسار تصادمي لا مفر منه.

حماس، من جهتها، ليست في عجلة من أمرها للذهاب إلى القتال مجددًا، خاصة أنها عمدت إلى احتواء أغلب الانتهاكات الإسرائيلية التي وقعت منذ بدء المرحلة الأولى من الاتفاق. وبالمثل، فإن إسرائيل، التي تلوح بالعودة إلى الحرب في كل مناسبة، تدرك تمام الإدراك صعوبة ذلك، على الأقل في الوقت الحالي، لاعتبارات داخلية وإقليمية ودولية جمة.

فموقف نتنياهو بالذهاب إلى الحرب يواجه معارضة شديدة من أغلبية الشارع الإسرائيلي، التي ترى أن الأولوية القصوى هي للإفراج عن الأسرى عبر التفاوض ودفع الثمن المطلوب. كما أنه، ورغم تهديدات ترامب لحماس وإعلانه أنه سيؤيد أي قرار تتخذه إسرائيل، يحاول في الوقت نفسه أن يرسم لنفسه صورة الزعيم الذي ينهي الحروب وليس من يشعل فتيلها.

وإضافة إلى ذلك، فإن استئناف الحرب من شأنه أن يضع الدول العربية أمام خيارات بالغة الصعوبة، خاصة أنها وجدت اعتراضًا من إسرائيل وليس من حماس على مخططاتها المستقبلية لقطاع غزة.

ولعل هذه الأسباب مجتمعة هي التي تدفع إسرائيل إلى محاولة استغلال عدة وسائل للضغط تمتلكها حاليًا بدلًا من العودة إلى الحرب المدمرة التي لن تتوقف عند حدود غزة الضيقة. وهناك أصوات داخل الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أنه ينبغي وضع علامة استفهام كبيرة على مواقف ترامب المتغيرة، لأنه من المستحيل التكهن متى "سيغير" مساره ويتوقف عن تقديم دعمه المطلق لإسرائيل.

والسبب الآخر هو أن الإمدادات العسكرية الجديدة، وخاصة من القنابل الخارقة للملاجئ، يراد بها في المقام الأول أن تكون وسيلة تكتيكية ذات تداعيات إستراتيجية بعيدة المدى، تفكر إسرائيل من خلالها في شن هجوم محتمل على إيران في مرحلة ما.

صحيح أن إسرائيل توحي للجميع بأن العودة إلى الحرب على غزة باتت على الأبواب، أو أن الضغوط العسكرية سوف تتصاعد في الأيام القريبة القادمة، وهو أمر ليس مستحيلًا في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.

ولكن هناك أمورًا جوهرية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها، مثل تغيير رئيس الأركان الإسرائيلي وما يستتبع ذلك من إقرار خطط جديدة، ثم الخلافات الحادة داخل الائتلاف الحكومي بسبب قانون تجنيد الحريديم والتصويت في الكنيست على الميزانية العامة.

عمومًا، هناك ثمة قناعة راسخة في إسرائيل بأن ويتكوف سيبذل قصارى جهده لإتمام الصفقة بروح الخطوط العريضة التي وضعها بنفسه.

وتحاول إسرائيل، التي أعلنت رسميًا بالفعل عن موافقتها المبدئية على الخطوط العريضة لمقترحه، مساعدته من خلال تبني إستراتيجية تفاوضية تقوم على سياسة حافة الهاوية والتشدد في المواقف، وكل ذلك بأمل أن يكون قادرًا على إخراج عربة المفاوضات من الوحل الذي هندس نتنياهو الأمور ببراعة كي تصل إليه.

وكتب المعلق العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي: "في الوقت الحالي، كل الكرات في الهواء، ولا توجد أي علامة واضحة على المكان الذي ستسقط فيه. ويعمل الوسطاء حاليًا على إقناع حركة حماس بقبول خطة ويتكوف الجديدة، التي وافقت عليها إسرائيل بالفعل. ولذلك، فإن عائلات الأسرى ستستمر في المعاناة، وأعصاب الشعب الإسرائيلي ستستمر في الإرهاق، وستواصل حركة حماس شن حرب نفسية تزداد قذارة وقسوة، لأن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تمتلكها للتأثير على صناع القرار في إسرائيل". وذلك إلى حين انتهاء المفاوضات الشاقة.

وفي كل الأحوال، حذر المحامي أورئيل لين في صحيفة معاريف من أنه: "لم يعد هناك مجال أو مكان للمزيد من الادعاءات، والشروحات المطولة والتفسيرات الواهية. صفقة التبادل، المرحلة الثانية، يجب إنهاؤها بسرعة فائقة، في فترة زمنية لا تتجاوز بضعة أسابيع معدودة، وإلا فستكون هناك هزة أرضية قومية لم يسبق لها مثيل حتى اليوم، ولا حتى بعد حرب يوم الغفران. صدع قومي عميق، لم نشهده من قبل قط. ومن الصعب التقدير ما إذا كان سيكون ممكنًا رأبه في العقود القادمة. خجل وعار سيحلان إلى الأبد على حكومة تعيق استكمال المرحلة الثانية في صفقة تحرير المخطوفين، ولا يهم ما هي الذرائع والأعذار الواهية لذلك".

كما أن زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، انتقد بشدة قرار حكومة نتنياهو، قائلًا: "لقد تم إيقاف صفقة الأسرى. وتم إيقاف المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. ووافقت الحكومة على تعبئة 400 ألف جندي احتياطي. ما هو الهدف من وراء كل ذلك؟ ما هو الهدف الذي وضعه نتنياهو لنفسه؟ هل قررت الحكومة التخلي عن الأسرى الإسرائيليين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ ومن أجل أي هدف وطني أسمى؟ وإذا عدنا إلى الحرب مجددًا، فما هو الهدف من هذه الحرب؟ ومن سيحل محل حركة حماس في نهاية المطاف؟ مرة أخرى، تتحرك الحكومة الإسرائيلية دون أي خطة واضحة، ودون أي رؤية مستقبلية. إنهم يأملون فقط أن تسير الأمور على ما يرام، وهذا هو أقصى ما تمكنوا من التخطيط له".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة